نظرية النزوات في تحليل الشخصية

“سلسلة”

(الجزء 2/2)

بقلم: عسري عبد الإله

نستكمل رحلتنا مع الجزء الثاني من سلسلة “نظرية النزوات”؛ وسنتناول:

  • فروقات مفاهيمية ما بين “الغريزة” و”النزوة” في التحليل النفسي.
  • مكونات النزوة.
  • أبرز الانتقادات التي وجهت إلى نظرية التحليل النفسي.

بسم الله مجراها

  • أولاً: فروقات مفاهيمية ما بين “الغريزة” و”النزوة” في التحليل النفسي

لكل مصطلح سبب وجود، فالغريزة Instinct اندفاع داخلي، متوجه نحو هدف نوعي مشخص، فطرياً، وتختلف قليلاً من شخص لآخر. فالغريزة بهذا المعنى “مهارة وراثية” تظهر بالتأثير المتضافر لعناصر داخلية (وسط داخلي المنشأ وعنصر خارجي – منبهات مثيرة أو منبهات اطلاق) فكلما ارتفعنا في (السلم الحيواني) تبدو الارتكاسات الغريزية قابلة للتأثر بالتعلم (الذكاء الحسي/ الحركي) حسب تعريف جان بياجه 1965، ص 435، فكل السلوكيات على وجه التقريب يتعلمها الانسان، وحتى الميول الطبيعية كغريزة الامومة، ومص الوليد لأصبعه، تتلقى تأثير التنشئة الاجتماعية.

طبيعة الغرائز ومنشئها

فالغرائز حسب فرويد شكل من اشكال الطاقة، تقوم بربط الحاجات الجسمية برغبات العقل؛ مثال الجوع فهي تولد حالة من التهيج الفيزيولوجي في الجسم (طاقة) تحول الى المخ الى (رغبة) للبحث عن عنصر اشباع. فالغريزة هي القوة المحركة التي تدفع الشخص للبحث عن طعام، وخفض حالة التوتر، ففي حالة “الاثارة” أو حاجة للإشباع كالجوع والعطش يتم توجه الجهاز النفسي نحو “موضوع الإشباع” وبفضل هذا التوجه يصل الفرد إلى حالة راحة وتخفيض للطاقة.

فنظرية فرويد أساسا تتبع أسلوب التوازن.

وهذا التباين في التنفيس عن الرغبات، هو ما يحدد شخصية الفرد، ويحدد النمط.

كخلاصة الغريزة سلوك ثابث، وراثي، لها موضوع ثابث، لا يتغير، وخاصة بالإنسان والحيوان على السواء.

وبينما يمكن تعريف النزوة PULSION أنها قوة بيولوجية “لاشعورية”، ذات منشأ جسدي، تكون في حالة نشاط وإثارة متواصلة، = “دفعة غريزية”.

والنزوة بهذا المعنى طاقة نفسية تشعل شحنة طاقية لتوجيه الفرد/ الجسد نحو هدف معين الذي هو “موضوع الاشباع”.

فهي شيء يغزونا من الداخل، من أعماقنا، ضغط داخلي، حرارة تغزونا. لا يمكن أن نسيطر عليها، وهو دفع ذو طاقة عالية غير مركب، فوضوي، محرك، ويحصل عندما تفرض الـ “أنا” نفسها.

فالنزوة ليست وراثية، موضوعها “متقلب” وخاضع للاحتمالات وهي خاصة فقط بالإنسان.

في المراحل الأولى من تطور الطفل لا يوجد ممنوعات ولا حدود؛ وكل شيء يعتمد على ما هو ممتع ويعتمد على النزوة قبل أن يطّور الطفل الـ “الأنا المثالي”. هذا الأخير هو من سيضع حداً لهذه النزوة.

ونقطة الفصل بين المفهومين، إذا كانت النزوة واعية، فإنها تصبح رغبة. و فرويد اقترح المصطلح الألماني (TRIEB) و الذي ترجمه PULSION بالفرنسية لأجل التمييز ما بين الطاقة النفسية المرتبطة بالجانب الحيوي للفرد، وبين الطاقة النفسية الخاصة بمجموع الرغبات، (موريل، 1995، ص 38).

  • مكونات النزوة

النزوة أيضاً تعتبر مفهوم وسطي بين ما هو جسدي وبين ما هو نفسي فحسب فرويد تتكون النزوة من ثلاث مكونات:

  1. المنبع أو المصدر: وهو الإثارة الداخلية التي تولد النزوة.
  2. الهدف: ويكون بمعنى القضاء على الضغط أو تخفيضه وهذا بهدف الرجوع إلى الحالة الأولى والسابقة المتمثلة في الهدوء التام.
  3. الموضوع: وهو الشيء الذي بفضله نصل إلى الهدف، ويتحقق الاشباع.

الدفع: أي أنها قوة دافعة نحو موضوع أو سلوك أو موقف معين.

  • أبرز الانتقادات التي وجهت إلى نظرية التحليل النفسي

تم نقد نظرية فرويد وكذلك تم توجيه العديد من الملاحظات إلى نظرية التحليل النفسي وكان من ضمنها:

  • تركيز فرويد على وضع تحليلات نفسية متعمقة خاصة بالذكور بشكل أكبر من الإناث وهي أحد أهم المآخذ التي نالت من نظرية التحليل النفسي.
  • عدم قابلية إخضاع النظرية للتجربة، حيث طرح فرويد بعض المفاهيم المعقدة مثل “اللبيدو” والتي لا يسهل تناولها بالمنهج التجريبي.
  • إعتماد فرويد على منهج دراسة الحالة وليس المنهج التجريبي والذي أدى إلى عدم دقة النتائج وهي أحد نقاط ضعف النظرية.
  • غموض الافتراضات والتصورات المستقبلية التي وضعها فرويد، حيث لم يقدم فرويد دليلاً ملموساً على أن السلوك الإنساني يتأثر بمرحلة الطفولة.

بسم الله مرساها (الخلاصة)

إذا استطاع الأنا أن يوازن بين الهو والأنا الأعلى والواقع عاش الفرد متوافقاً متزناً، منسجماً؛ أما إذا تغلب الهو أو الأنا الأعلى على الشخصية أدى ذلك إلى اضطرابها.

الأنا القوية التي نمت نمواً سليماً هي التي تستطيع التوفيق بين القوى الثلاث. أما الأنا الضعيفة فقد تقع تحت سيطرة الهو أو الذات البدائية وتخضع لضغوطها وهنا يصبح السلوك منحرفاً. ومن جهة أخرى قد تخضع الأنا الضعيفة لتأثير الذات العليا فتصبح أنا متزمتة مشلولة عن القيام بوظائفها بما يحقق إشباع الحاجات الأساسية وتوازن الشخصية فتقع فريسة للصراع والتوتر والقلق والشعور بالذنب مما يؤلف في مجموعة قوة ضاغطة تكبت الدافع كبتاً تاماً وتزج به في أعماق اللاشعورية. وهذا الكبت أكبر خطر على الصحة النفسية للفرد وعامل أساسي في ظهور الأعراض المرضية.

في ختام مقالنا نكون قد تطرقنا باطلالة محتشمة لنظرية التحليل النفسي عند فرويد، حيث تناولنا مفهومها ونشأتها واهم تطبيقاتها، وللمزيد من التفاصيل بعون الله تعالى سنفرد في سلسلة قادمة، وبمزيد من التفصيل الى جوانب أخرى اغفلناها هنا منها آليات الدفاع النفسي، محاولة أولية لقياس قوة النزوة، ونظرة على مفهوم النزوة في الإسلام.

بعض المصادر

  • الدكتور أحمد ذيب أحمد، محاضرات في الرخصة الدولية لتحليل الشخصيات، الفوج الأول 2023.
  • وجيه أسعد، (2001)، المعجم الموسوعي في علم النفس، لمؤلفه نوربير سيلامي، دمشق وزارة الثقافة، (تعريف النمط ص: 2602 – 2603 – الغريزة: ص 1916 – 1917)
  • إبراهيم، أحمد شوقي (1981)، نظرية فرويد في العلاج بالتحليل النفسي. مجلة الوعي الإسلامي – وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية – الكويت، 17 (202)، 80 – 85.
  • وطفة، علي أسعد (2003)، المضامين التربوية لسيكولوجيا فرويد في مجال الطفولة: الأنساق التربوية في نظرية التحليل النفسي. مجلة الطفولة والتنمية – مصر، 3 (12)، 57 – 85.
  • تمعزوزت، نعيمة غازلي (2016)، نقد نظرية التحليل النفسي لفرويد وبيان ما يتوافق ولا يتوافق مع المجتمعات العربية الإسلامية. مجلة العلوم الإنسانية والاجتماعية – جامعة قاصدي مرباح – ورقلة – الجزائر، 27، 27 – 40.