العلاقة بين الاعتقاد غير الظاهر و السلوك الظاهر

بقلم: حسين عبد الرحمن زبارة

أظهرت الدراسات المتخصّصة في مجال علم النّفس وجود علاقة معقّدة بين السّلوك الظّاهر والاعتقاد غير الظّاهر، المعتقدات غير الظّاهرة هي تلك التي لا يتعرّف عليها الفرد بوعي، بل تكون دفينة في ثنايا النّفس، ومع ذلك يمكن أن يكون لها تأثير كبير على السّلوك، في حين أنّ العوامل الأخرى مثل البيئة، والتّنشئة، والأفكار والمواقف الواعية تلعب أيضاً دوراً في تشكيل السلوك، تبقى المعتقدات غير الظّاهرة قوّة مؤثّرة قد تقلب موازين السّلوك.

غالباً ما تتشكّل المعتقدات غير الظّاهرة من خلال التّجارب السّابقة والتكيُّف والتّأثيرات الاجتماعيّة والثّقافيّة، ويمكن أن تكون هذه المعتقدات متأصّلة بعمق ويمكن أن تؤثّر على سلوك الفرد بطرق خفيّة. على سبيل المثال، الفرد الذي لديه اعتقاد ضمني بأنه ليس جيداً بما يكفي قد يمنع نفسه من السّعي وراء الفرص أو المخاطرة، وقد يعرِض أيضاً سلوكيّات تخريب الذّات، مثل التّسويف أو التّجنّب.

يمكن أن يكون للمعتقدات غير الظّاهرة أيضاً تأثير كبير على العلاقات الشّخصيّة، الشخص الذي يعتقد باطنياً بأنّه لا يستحق الحب قد يدفع الشّركاء المحتملين بعيداً أو يخرّب علاقاته بهم بشكل غير مباشر، كما وقد يطور أيضاً أنماطاً غير صحيّة من السّلوك العاطفي، مثل البحث عن شركاء غير متاحين عاطفياً أو الانخراط في علاقات الاعتماد على الآخرين.

مع أنّ المعتقدات غير الظّاهرة يمكن أن يكون لها تأثير قوي على السلوك، فمن المهم ملاحظة أنها ليست العامل الوحيد في لعبة التّأثير والسّيطرة على السّلوك، فالبيئة والتّربية والأفكار والمواقف الواعية يمكن لها أيضاً تشكيل السّلوك. فمثلاً، قد يُظهر الفرد الذي نشأ في بيئة عنيفة سلوكيّات عدوانيّة، حتّى لو لم يكن لديه معتقدات مموّهة تبرر هذا السّلوك، وبالمثل، يمكن للفرد الذي يؤمن بوعي بالمساواة والعدالة أن يعمل على مكافحة تحيّزاته، حتى لو كان يحمل ضمنياً ما يتعارض مع هذه القيم.

 

يتطلب الفهم الكامل لتأثير المعتقدات غير الظّاهرة على السّلوك تحليلاً دقيقاً ودراسة العوامل المختلفة، إذ يمكن لعلماء النّفس العمل مع الأفراد للكشف عن معتقداتهم غير الظّاهرة ومساعدتهم على تطوير استراتيجيات للتغلب على أي آثار سلبيّة قد تحدثها هذه المعتقدات على سلوكهم، قد يتضمن ذلك تقنيّات مثل العلاج السّلوكي المعرفي، والتي يمكن أن تساعد الأفراد على تحديد أنماط التّفكير والمعتقدات السّلبية وتحدّيها والتّغلّب عليها.

 

ختاماً، العلاقة بين المعتقدات غير الظّاهرة والسّلوك الظّاهر علاقة مؤكّدة ومؤثّرة بإجماع الإختصاصيّين من مختلف مدارس علم النّفس. ومع العلم أنّ المعتقدات الظّاهرة لها تأثير غير بسيط، يمكن لتلك غير الظّاهرة أن تلعب دوراً حسّاساً في تحديد مسار تشكيل المعتقدات الظّاهرة والسّلوك لدى الأفراد، كما ويمكنها أن تكون باباً لتوجيه السّلوك والسّيطرة على الأفعال، ويكمن الحل في دراسة هذه المعتقدات  وتحليلها والغوص في غياهبها للسّيطرة عليها، وتوجيهها بشكل واعٍ بما يخدم أهداف الفرد نفسه.