اختبار رورشاخ
بقلم: بتول سليمان
يتكون اختبار رورشاخ للعالم النفسي السويسري “هيرمان رورشاخ” من عشر بطاقات تحتوي على بقع حبر، خمسة منها مرسومة بالأبيض والأسود وخمسة ملونة، أوجدها لتحليل الشخصية تحليل مرن. وقد نشر الاختبار للمرة الاولى عام 1921 قبل وفاته بوقت قصير. من ثم وقع عالم نفس يدعى “يوزابورو أوشيدا” على نسخة من كتاب رورشاخ (التشخيص النفسي) في مكتبة طوكيو، وتم على إثر ذلك وبعد أربع سنوات من نشر رورشاخ لأبحاثه، إدخال اختبار بقع الحبر كمادة في علم النفس الياباني. وانتشر الاختبار بشكل كبير وحظي بقبول واسع في الثقافة الشعبية.
بالاضافة الى كونه علامة بارزة في الثقافة الشعبية، يعد وسيلة مفضلة لدى الأطباء السريريين الذين يظن العديد منهم أن بإمكان ذلك الاختبار الوصول الى أعمق أغوار العقل الباطن ووسيلة مهمة لكشف الصراعات النفسية. يعد اختبار رورشاخ واحد من مئات الطرق الاسقاطية التي تتكون الغالبية منها من المثيرات الغامضة التي يطلب الأطباء النفسيون من المشاركين في الاختبار تفسيرها (وضع الشخصية في تصور لحالة معينة أو موقف معين من ثم سؤالها عن البقعة) ويفترضون أن المستجيب يسقط جوانب رئيسية من شخصيته على تلك المثيرات في أجوبته. ومن الأمثلة الاولى على هذه الطرق، “اختبار الصورة السحابية” وهو اختبار أوجده عالم النفس الألماني “فيلهيلم شتيرن” في مطلع القرن الحادي والعشرين. وفيه يطلب ممن يجيبون عنه أن يصفوا ما يرونه في شكل صور تشبه السحب.
وجه الباحثون نقدا علميا ثابتا الى اختبار رورشاخ منذ الأربعينيات حتى السبعينيات قائلين أنه لم يكن موضوعيا في تقييمه وتفسيره وأنه اختبار حساس وبأنه لم تثبت صحة أي من ارتباطات الشخصية المزعومة الخاصة به ببحث متأن. ثم طور عالم النفس “جون اكسنر” نسخة جديدة من اختبار رورشاخ تسمى “النظام الشامل” عام 1974، خففت الى حد ما من حدة الهجمات العلمية على رورشاخ. يقدم النظام الشامل قواعد مفصلة للتقييم والتفسير وما يزيد عن 100 مؤشر من المفترض أن يقيس كل سمات الشخصية التي يمكن تخيلها تقريبا. مع ذلك، لم يقدم أي من الابحاث المنظمة تقريبا دليل على تلك التأكيدات وقد وجد أن الغالبية من درجات الاختبار ليس لها علاقة بسمات الشخصية.
على الرغم من ذلك فان اختبار رورشاخ قدم دورا خدميا تمثل في رصد الحالات التي تظهر عليها اضطرابات التفكير كانفصام الشخصية واضطراب ثنائي القطب (الاكتئاب الهوسي قديما). وهذه الحقيقة لا تثير الدهشة بدرجة كبيرة لأن الأشخاص الذين يصدر عنهم ردود غريبة على بقع الحبر يزيد احتمال كونهم يعانون من أفكار مضطربة عن غيرهم من الأشخاص. هذا الاختبار أثبت فعاليته فهو يعطي تشخيصات صحيحة بشكل يثير الدهشة مما يزيد من امتعاض الباحثين منه.
كثيرا ما يجد أحد الأطباء النفسيين السريريين أن أحد المجاوبين تصدر عنه نتائج طبيعية في الاستبيانات لكن نتائجه غير طبيعية في اختبار رورشاخ لذا قد يستنتج من هذا الاختلاف أن رورشاخ اختبار معقد يكشف الاضطرابات النفسية الخفية التي لا يمكن لباقي الاختبارات أن ترصدها. وأغلب الظن أن ينخدع الطبيب معتقدا بوجود اضطرابات نفسية في الوقت الذي لا يوجد فيه شيء من ذلك.
تحليل الشخصية يجب أن يبنى على عدة مداخل وأبعاد تختلف باختلاف الهدف المرتبط بتحليل الشخصية. فالاعتماد على اختبار واحد مثل اختبار رورشاخ يعطي تفاصيل قليلة وبجانب محدد للشخصية وبالتالي يبتعد أكثر عن تسميته بتحليل للشخصية. يمكن اعتبار اختبار رورشاخ مسح سريع للعواطف والمشاعر الكامنة في الشخصية مع الأخذ بعين الاعتبار كونه غير ثابت وغير دقيق وكون بقعة الحبر أحيانا مجرد بقعة حبر.
اضف تعليقا