بناء الشخصية – المنطلقات
بقلم: سمير لعموري هاشمي
لعل من نافلة القول قبل التطرق لعوامل تشكل الشخصية وركائز تأصيل بنائها أن نفًصل بين مصطلحين مترابطين الا وهما:
مفهوم الذات: هي كينونة الفرد أو الشخص وتتكون نتيجة للتفاعل مع البيئة ونميز فيها ثلاثة مستويات:
- الذات المدركة (الأنا): جملة الخبرات التربوية.
- الأنا الأعلى: وتسمى أيضا بالرقيب النفسي أو الذات الاجتماعية (النظام الاجتماعي).
- الهو: الحالة الفطرية الغريزية وتسمى أيضا بالذات المثالية.¹
مفهوم الشخصية لغة واصطلاحا:
لغة: مشتقة من فعل شخص، يشخص، تشخيصا نقول شخص الطبيب المرض إذا حدد اوصافه واعراضه.
وهي مشتقة من اليونانية Persona وتعني القناع الذي يضعه الممثل المسرحي على وجهه.
ولعل من أرجح التعاريف الاصطلاحية أن: الشخصية هي مجموع الخصال والطباع المتنوعة الموجودة في كيان الشخص باستمرار، وهي تتكون تدريجيا منذ السنوات الأولى من عمر الإنسان.²
وبصفة أوضح هي: “مجموعة المفاتيح التي تقرر متى يستجيب الشخص وكيف سيستجيب ونوعيّة هذه الاستجابة.” أي هي مجموع الأساليب المميّزة التي يستجيب فيها الفرد للمحيط الذي يعيش فيه.
بصفة عامة هي مجموعة الأنماط والسمات الانسانية التي تشكلت من:
بيئة التكوين: البيئة التي تكونت فيها ملامح الشخصية الأولية.
بيئة التمكين: البيئة التي تشكلت فيها ملامح استقلالية الشخصية.
بيئة الإنتاج: هي البيئة التي تقدم فيها الشخصية قيمة للمجتمع.
ومما سبق فإن من أبرز العوامل التي تؤثر في تكوين الشخصية نجد:
- العوامل الوراثية: تبعا للعديد من الدراسات فإن المحدد لتشكيل العديد من الصفات، السمات والأنماط السلوكية تعود للموروثات الجينية التي تنتقل من الآباء إلى الأبناء في السلسلة العائلية.
- العوامل الفسيولوجية: منها ما يخص الأم في مرحلة حضانتها للجنين داخل الرحم، ومنها ما يخص الطفل نفسه كالبنية والتركيب الجسمي وأثر الغدد الصماء على السلوك والشخصية يضاف الى ذلك عوامل التنشئة الاسرية (داخل العائلة أو البيئة التكوينية الأولى) أين يكتسب الطفل العديد من المهارات والخبرات وتتأصل لديه بعض الأنماط السلوكية الإيجابية منها والسلبية التي تحدد مميزاته الخاصة وتستمر عملية البناء بخروج الطفل الى مؤسسات التنشئة الملحقة للمنزل (المدرسة، المسجد، المجتمع) أين يتلقى فيها المزيد من المعارف، القيم، العادات والتقاليد الاجتماعية ويبدأ عملية التواصل الخارجي معتمدا على مهاراته ومكتسباته السابقة ومتعلما للمزيد من القدرات الأخرى التي تمكنه من التكيف وصقل شخصيته عن طريق الاحتكاك المباشر (التجربة العملية).
كما يجب ألا نغفل دور وسائل الإعلام الفعال والحاسم إن إيجابا أو سلبا في عملية التلقي خاصة في وقتنا الراهن اين اصبح الاعلام الالكتروني (خاصة وسائط التواصل الاجتماعي) أوسع انتشارا، اسهل وصولا واعمق اثرا في تكوين الخلفية المعرفية الأخلاقية للمجتمع وإعادة صياغة العديد من القيم مع إبراز المرجعيات والقدوات (الإيجابية والسلبية منها) بشكل مباشر صريح أو بشكل مضمر خفي لكن الأثر نلمسه واضحا بينا في شخصيات الأجيال الصاعدة كتفسير جلي لخط تطور الحدث لديهم بداية بظهور المثير، تكون الاعتقاد، السلوك، النتائج، رد الفعل وأخيرا المثير التابع.
والبناء لا يكون سويا إلا إذا تكاملت عناصره وتناسقت مكوناته وخلا من الاختلالات والاعتلالات لذا وسم علماء الصحة النفسية الشخصية السوية بالشخصية المتكاملة: “يقصد بتكامل الشخصية انتظام مكوناتها وظيفيا وديناميا في بناء متكامل، منسجم، متوازن، سليم الأجزاء ومنسق العلاقات بين هذه الأجزاء”.³
وسلامة (تكامل) هذا البناء تستلزم سلامة المنطلقات التي ستشكل اعتقاداتنا في ما بعد سواء كانت موروثا ثبت لدينا من معتقدات وسلوكيات ورثناها عن الأجيال السابقة، تجارب هي نتاج ما ثبت لدينا من ممارسة تجارب ذاتية مستقلة عن الموروث السابق أو معارف حصلناها من مختلف المصادر قصدية كانت أم غير قصدية إضافة إلى أساليب التفكير والتي تهتم بتفضيلاتنا الشخصية ضمن أطر التفكير المختلفة التي ستطبع وتوجه سلوكياتنا مستقبلا وما يترتب عنها من نتائج يقبلها المجتمع، يرفضها أو يقابلها بالتقدير – رد الفعل – مع ما يتولد عنها بعد ذلك.
بارك الله فيك استاذ