الوهم
بقلم: بتول سليمان
كل ما يحدث في حياتنا، كل حدث نتطرق له أو نتعرض له ونعيشه، يمشي على خط مسار تطور الحدث. وهذا الخط لا يختص فقط في تحليل الشخصيات بل يطبق على كل العلوم الموجودة. فهمنا لخط تطور الحدث يفرق في نجاحنا بتحليل الشخصية لأننا نتعلم كيف نتعامل مع التفاصيل التي يقوم عليها مبدأ تحليل الشخصيات. يبدأ بمثير يلفت إنتباه شخصيتنا ويحرك لدينا ضرورة الاستجابة له. من ثم نكون تصوراً ذهنياً حول المثير وهو الاعتقاد، وهو المرحلة الحاسمة في فهم ما يحدث دائما وأبدا، ومن هنا يبدأ الحدث بأخذ شكله الأساسي وكل ما يأتي بعده مرتبط به.
ولكن، ماذا لو خلقنا مسار تطور حدث واهم؟
بالبداية صناعة الوهم كان أول درس تعرض له الإنسان منذ وجوده، وهو أول الحروب بل ركيزتها الأساسية وهي الحرب على الوعي. هناك أربع صبغات للوهم تصبغ في شخصياتنا. أولها وهم المعتقد، وهي أخطر وأكبر وأهم وأكثر وأقدم صبغة تصبغ فينا وبشخصياتنا. أن نخلق معتقد واهم ونجعل الشخصية تتبناه، هو أمر خطير يؤدي إلى تحكم بمسار حياة الشخصية. فكما تعرفنا سابقا في خط تطور الحدث أن كل ما يأتي بعد الاعتقاد هو مرتبط به وقائم عليه وبالتالي هو المتحكم الرئيسي والأخطر.
وهم التفكير، أقل خطورة من وهم المعتقد ولكن مشاكله أكثر. وهنا يمكن التطرق لخلق وهم يدخل في أساليب تفكير الشخصية وبالتالي التحكم بما تفكر به وبما تفضله نتيجة أسلوب تفكير قائم على الوهم. وهم التفضيل، والتفضيلات تقوم نظرية الحكومة العقلية لروبرت ستنبرغ على دراستها ومحاولة الكشف عنها باعتبارها لا تظهر بشكل سهل ولكنها ما يبني شخصية الفرد. لماذا نركز على التفضيل؟
لأنه يكشف عن أكبر قدر من التفاصيل حول الشخصية. بالإضافة إلى ذلك، إذا تخيلنا أن يزرع بنا تفضيل نوع أو شكل معين من الثقافة أو اللباس أو التقاليد وغيرها، فهذا يعني أن نشعر بأننا نفضله ونحبه ونرتاح للتعامل معه ومع تواجده والرغبة في تبنيه وتطبيقه في حياتنا. هذا الوهم يجعل منا سلعة تباع، والشكل الذي نقيس به الوهم هو عبر تساؤلنا عن مصدر هذا الوهم ومن المستفيد منه.
وأخيرا، وهم السلوك، ومؤشراته واضحة ويظهر بشكل كبير في حياتنا الحالية من خلال ملاحظة التبني الكبير وممارسة بأننا نريد أن نقوم بفعل ما نريده ولا نهتم برأي الناس. وهذا وهم سلوكي صُبغنا به على مدار سنوات الى ان تكرر التبني له من قبل الأشخاص وأصبح يطلق عليه اسم حرية شخصية وانفتاح أكبر على العالم. وهنا يجب أن نذكر أن السلوك يظهر عنه نتائج على الشخصية ويُبنى على النتائج ردة الفعل التي تكون من الطرف الآخر وبالتالي التأثير على الشخصية نفسها وعلى المحيط، وهذا باستطاعته المساهمة في انتشار الوهم بشكل أكبر وأكثر سهولة.
مسارات صناعة الوهم تتمثل بثلاثة عناصر؛ الماضي، الحاضر، والمستقبل. وهنا يمكن الربط بينهم وبين البيئات الثلاث (التكوين، التمكين، والانتاج) التي تتكون بها الشخصية وتبني بها ملامحها تجاه المثيرات، وتوجهاتها الرئيسية تجاه المواقف، وأخيرا، ميولها تجاه التعبير عن الاعتقاد.
نبدأ بإعادة صياغة حقائق الماضي. هنا نبحث في بيئة التكوين عند الشخصية عن ما هو ثابت لديها بأنه حقيقة ونقوم باعادة صياغته. أما بيئة التمكين، فنقوم بتشويش أسباب الأحداث في الحاضر ونركز على سببية الحدث أكثر من الحدث نفسه أو نتائجه. وننطلق الى بيئة الانتاج لاعادة انتاج أسلوب الشخصية وتحديد مسارات التوجه للمستقبل.
يمكن من خلال تحليل الشخصيات كشف ومعرفة الشخصيات الأكثر تأثراً بالوهم والتي يمكن صناعة وهم لديها بشكل أسهل، والشخصيات المؤثرة في صناعة الوهم أو الكشف عنه. وهذا يؤدي الى النجاح أكثر مع الشخصية في المستويات الأربعة (التبادل، التأثير، القيادة، التحسين والتطوير) وخاصة مستوى المعالجة الذي سيكون قائم على تصنيف الشخصية وفق العلاج الأدق لها.
على الرغم من أن صناعة الوهم هو الأكثر انتشارا في حياتنا وان لم نعرف ونفهم ونعِ ذلك، فإن طريقة الوقاية منه والعلاج تكمن في كلمة واحدة. فما هي يا ترى؟
وإذا سألنا نفسنا عن أكثر الأشياء التي نتبناها ما هي مصادرها ومن المستفيد منها، نكتشف أن الجزء الأكبر من حياتنا هو تبني لأوهام كثيرة ان لم تكن جُلَّ حياتنا هكذا، بالتالي نحن نتبنى خططاً رُسمت لنا ولشخصياتنا من أجل تحقيق الفائدة لصناع الوهم. فصانع الوهم منافس على استحواذ المستقبل.
نأتي هنا الى الاجابة عن كلمة الوقاية والعلاج وأترك لكم التفكير بها وبما تحتويه من عالم واسع المعرفة يشكل كنزاً للإنسان.
إقرأ.
احسنتِ واجدتِ عزيزتي